د. سندس القيسي
يُعد السلام في مقدمة القيم الإنسانية الرفيعة التي شاعت في أعمال الباحثين، والشعراء والأدباء. تمجد جميعها في السلام، وتجعل منه قيمة أساسية ومحورية في الحياة. ومثله مثل غيره من المفاهيم
(1) مـعـني الـسلام
هناك اتجاهان للنظر- بصفة عامة- إلي مفهوم “السلام”.
1.السلام- في أبسط تعريفاته- هو “غياب الخلاف، العنف، الحرب ويتبني دعاة السلام هذا التعريف لمفهوم السلام. ويري الباحثون أن السلام يعني غياب الحرب، ووجود الحرب لا يعني وجود السلام. وفي المجتمعات الإنسانية يعني السلام غياب كل ما له علاقة بالعنف، مثل الجرائم الكبرى المنظمة كالإرهاب، أو النزاعات العرقية أو الدينية أو الطائفية أو المناطقية (أي تلك التي تنشب بين مناطق جغرافية في مواجهة مناطق أخري داخل إقليم الدولة ذاته). وعادة ما تعود أسباب النزاعات المناطقية إلي اعتبارات اقتصادية (مثل الصراع علي الثروات الطبيعية كما هو الأمر في العديد من بلدان أفريقيا)، أو سياسية (مثل احتكار مناطق جغرافية معينة للسلطة السياسية مثلما هو النزاع الجاري حاليا في دارفور) أو عرقية (مثل النزاعات بين الأعراق المختلفة التي تقطن مناطق جغرافية في مواجهة بعضها بعضا كما كان الحال حتى وقت قريب في الصراع بين شمال وجنوب السودان).وباقى النازعات القبليه
2.السلام هو “الاتفاق، الهدوء .والانسجام وفق هذا التعريف فإن السلام- عكس التعريف السابق- لا يعني غياب العنف بكافة أشكاله، ولكنه يعني صفات ايجابية مرغوبة في ذاتها مثل الحاجة إلي التوصل إلي اتفاق، الرغبة في تحقيق الانسجام في العلاقات بين البشر، سيادة حالة من الهدوء في العلاقات بين الجماعات المختلفة…هكذا. السلام- إذن- هو حالة إيجابية تدل على الهدوء والاستقرار والانسجام أكثر من كونه غيابا لحالة سلبية مرفوضة (العنف، الحرب، القتل . يفتح هذا التعريف المجال أمام التفكير في مستويات مختلفة للتعامل مع مفهوم “السلام
هناك سلام بين دول، وهناك سلام بين جماعات بشرية،
وهناك سلام في داخل الأسرة،
وهناك سلام بين المرء وذاته.
(2) معني السلام الاجتماعي
انطلاقا من معني السلام بصفة عامة، والذي إما يُعرف بغياب المظاهر السلبية مثل العنف، أو بحضور المظاهر الإيجابية مثل الهدوء، والاستقرار، والصحة، والنماء، يمكن أن نقترب من مفهوم السلام الاجتماعى
يتكون كل مجتمع من مجموعة من البشر، مختلفون بالضرورة عن بعضهم بعض، سواء في انتمائهم الديني، أو المذهبي، أو موقعهم الاجتماعي، أو الوظيفي، ولكن يجمعهم جميعا ما يمكن أن نطلق عليه “عقد اجتماعي”، أي التزام غير مكتوب بينهم، يتناول حقوق وواجبات كل طرف في المجتمع. الخروج علي هذا العقد يمثل انتهاكا لحقوق طرف، وإخلالا بالتزامات طرف آخر مما يستوجب التدخل الحاسم لتصحيح الموقف.
من هذا المنطق فإن العقد الاجتماعي هو:
1-تعبير عن حالة توازن بين الأطراف المجتمعية المختلفة في المصالح، والقوة، والإمكانات، والإرادات.
2-يحافظ علي هذا التوازن “قوة”، ليست هي بالضرورة “قوة العضلات” أي العنف، ولكن هي-في الأساس- قوة القانون، والشرعية.
3-يساعد علي تسوية النزاعات أو الخلافات باعتباره المرجعية التي تعود إليها الأطراف المختلفة لحل مشكلاتهم.
يساعد ذلك علي حدوث ما نطلق عليه “التوقع”. كل طرف يتوقع من الطرف الآخر سلوكا معينا، بناء علي ما يقع علي عاتقه من التزامات وواجبات، فإذا لم يأت بهذا السلوك، يعتبر ذلك خروجا علي العقد الاجتماعي السائد.
فمثلا إذا كانت هناك التزامات تقع علي عاتق صاحب العمل تجاه العاملين، فإنه في المقابل هناك حقوق لصاحب العمل تجاه العاملين. الإخلال بأي منهما يؤدي إلي الخروج عن العقد الاجتماعي، مما يستوجب التصحيح.
هناك نوعان من العقد الاجتماعي، الأول مباشر، والثاني غير مباشر.
البند الاول
العقد الاجتماعي المباشر. هو العقد الذي تبرمه الأطراف علي نحو محدد سلفا. مثل تحديد المكان، الزمان، التوقعات المتبادلة من جانب كل الأطراف. مثال علي ذلك عقد بناء مبني .بين طرفين
. يتوقع الطرف الأول صاحب الأرض الفضاء وممول المشروع .
من الطرف الثاني شركة مقاولات
أو مقاول عادي
أن ينتهي من تشييد المبني بمواصفات محددة متفق عليها، وتجري عملية التسليم عبر مراحل زمنية محددة سلفا. ويتوقع الطرف الثاني من الطرف الأول مقابلا ماديا محددا في ضوء الالتزامات المطلوبة. هكذا تكون التوقعات المتبادلة واضحة بين الطرفين.
اما البند الثانى
-العقد الاجتماعي غير المباشر. هو العقد الذي يتعلق بالقيم والمعايير والايجارات والمشاعر
والمتفق عليه ضمنا بين مختلف الأطراف، والخروج عليه يدل علي الاستنكار.
مثال علي ذلك
وعد الكلمة بين الأطراف التجارية، والأمانة في العلاقات بين البائع والمشتري،
وكذلك الخاطب وأهل مخطوبته والامثله كثيره بالتعاملات بين البشر بالحياه
يتحقق السلام الاجتماعي إذا كان العقد الاجتماعي- المباشر وغير المباشر- يجري علي أرض الواقع دون وجود مشكلات،
ولكن ي يضطرب، ويتوتر وينحرف مساره إذا لم يحترم العقد الاجتماعي
علي أرض الواقع.
وتعرف المجتمعات ظاهرة التعددية، والتنوع
تختلف المصالح، وتتباين الاتجاهات، ويختلف النظرة إلي الحاضر والمستقبل، كيف يمكن- في ضوء كل هذا- أن يتحقق السلام الاجتماعي بينهم؟البند الثالث
أركان السلام الاجتماعي
هناك عدة أركان للسلام الاجتماعي في أي مجتمع، لا تتصل فقط بالتاريخ، لكنها تقترب أكثر فأكثر من الإدارة السياسية للمجتمعات.
1-الإدارة السلمية للتعددية.
تعرف
المجتمعات البشرية
ظاهرة التعددية الدينية والمذهبية واللغوية . لم تعد الان مجتمعات خالصة
تضم أهل دين معين، أو مذهب معين
أو عرق معين أو لغة معينة
. تحولت التعددية
إلي قيمة أساسية في المجتمعات المتنوعة، بشريا ودينيا وثقافيا. التعددية في ذاتها لا تعني سوي ظاهرة اجتماعية، ويتوقف الأمر بشكل أساسي علي إدارة التعددية. هناك إدارة سلمية، تحفظ للجماعات المتنوعة التي تعيش مع بعضها بعضا مساحة للتعبير عن تنوعها في أجواء من الاحترام المتبادل، وهناك تعددية سلبية تقوم علي اعتبار التنوع
- د. سندس القيسي